فصل: الفرض الثاني: استيعاب غسل جميع الوجه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة


بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.

.كتاب الطهارة:

وفيه أحد عشر بابا:

.(قسم المقدمات):

.الباب الأول: في أحكام المياه وأقسامها:

قال الله تبارك وتعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}.
وقال تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به}. فالمطهر للحدث والخبث هو الماء وحده من بين سائر المائعات.
ثم:

.المياه:

ثلاثة أقسام:

.(القسم) الأول: المطلق:

الباقي على أوصاف خلقته من غير مخالط له، فهو طهور، ومنه ماء البحر وماء البئر، وكل ماء نبع من الأرض أو نزل من السماء على أي صفة كان من أصل الخلقة. ويلحق بهذا القسم المتغير بطول المكث، وبالتراب أو الزرنيخ لجريه عليهما، وبالطحلب، وكل ما كان من قراره أو متولدا عنه، أو لا ينفك عنه غالبا.

.القسم الثاني: ما خالطه ما لم يغير أحدا أوصافه:

فهو باق على حكمه في الطهورية. وأطلق ابن القاسم القول بترك استعمال القليل المخالط بالنجاسة وإن كان لم يتغير، والعدول إلى التيمم.
وقال أيضا: إن توضأ به وصلى، أعاد ما دام في الوقت. فحمل قوله بالترك على الكراهية لتقييده الإعادة بالوقت، وحمل على التنجيس لإطلاقه القول بترك استعماله والعدول إلى التيمم. ورواية المدنيين أنه طهور، لكن كرهوه للخلاف فيه.
وقيل: هو مشكوك فيه، فيجمع بنيه وبين التيمم. ثم اختلف في البداية بالوضوء به قبل التيمم، أو بالتيمم قبل الوضوء على قولين:
أحدهما: أنه يتوضأ به ثم يتمم ويصلي صلاة واحدة، إذ الماء طهور والتيمم مراعاة للخلاف.
والثاني: أنه يتيمم ويصلي، ثم يتوضأ به ويصلي، لئلا يلقي الأعضاء بذلك الماء، وهذا قول من قوي عنده تنجيسه، لكن أمرا بالوضوء به مراعاة للخلاف.
فرع:
فإن أحدث بعد وليس إلا ذلك الماء، فإنه يتوضأ به ويتيمم ويصلي صلاة واحدة على القولين جميعا، لأن ملاقاة الأعضاء قد حصلت، قال ذلك أبو الحسن اللخمي وغيره.
ووقع للشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي في القليل إذا خالطه طاهر أنه يسلبه التطهير وإن لم يغيره.
فرع:
الماء المستعمل في طهارة الحدث طاهر مطهر إذا كان الاستعمال لم يغيره، لكنه مكروه مع وجود غيره مراعاة للخلاف.
وقال أصبغ: طاهر غير مطهر، ونزله القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي على قول الشيخ أبي الحسن. وقيل: إنه طاهر مشكوك في تطهيره فيتوضأ به ويتيمم ويصلي صلاة واحدة.

.القسم الثالث: ما خرج عن وصف خلقته:

لمخالط غير أحد أوصافه، لونه أو طعمه أو ريحه، مما ينفك عنه غالبا وليس بقرار له، ولا متولد عنه، فيسلبه ما خالفه فيه من أصل الطاهرة أو صف الطهورية.
ولم يعتبر عبد الملك بن الماجشون تغير الريح. قال الشيخ أبو الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي: ورأى بعض أشياخي أن هذا القول منزل على التغير.
بالمجاورة لا بالحلول.
فرعان:
الأول: المتغير بالتراب المطروح قصدا، فيه قولان:
المشهور أنه طهور، إلحاقا للطارئ بالأصلي. ورأى في الشاذ عدم الانفكاك وتعذر الاحتراز في الأصلي قاطعا للإلحاق.
وفي تنزيل الملح منزلة التراب أو الأطعمة قولان للشيخين، أبي محمد عبد الله بن أبي زيد، وأبي الحسن. وفرق ثالث، فجعل المعدني كالتراب، والمصنوع كالطعام.
الفرع الثاني:
إذا كان عدم الانفكاك عن مخالط ما تختص ببعض المياه، فهل يؤثر فيما يختص به لأنه لا يعم أو لا يؤثر إذ لا ينفك الماء عنه؟ في ذلك قولان.

.الباب الثاني: في أحكام النجاسات:

وفيه فصول:

.الفصل الأول: في تمييز الأعيان الطاهرة عن النجسة:

والجمادات كلها على الطهارة إلا الخمر، وفي معناها كل نبيذ مسكر. ونعني بالجماد ما ليس بذي روح، ولا منفصل من ذي روح.
والحيوانات كلها على الطهارة، وأطلق ابن الماجشون وسحنون على الكلب لفظ التنجيس. قال الشيخ أبو الطاهر: ويحتمل هذا القول البقاء على ظاهره، فيكون نجس العين كما قاله المخالف، أو يكون المراد به أنه مما يستعمل النجاسات، فينجس سؤره لا عينه.
والميتات كلها على النجاسة إلا دواب البحر، وما ليس له نفس له سائلة من دواب البر، وكذا الآدمي على أحد القولين.
وكذلك دود الطعام طاهر ولا يحرم أكله مع الطعام، وكل ما ليس له نفس سائلة لا ينجس بالموت، ولا ينجس ما مات فيه من ماء أو مائع.
أما أجزاء الحيوان، فاللحم حكمه ما تقدم، والعظم والقرن والظلف والسن كاللحم.
وقال ابن وهب: لا ينجس شيء منه بالموت.
وحكى الشيخ أبو الطاهر قولين في إلحاق أطراف القرون والأظلاف التي لا تحلها الحياة بأصولها أو بالشعور.
والشعور طاهرة من كل حيوان، وقيل: باستثناء شعر الخنزير. والأصواف والأوبار في معنى الشعور.
فرعان:
الأول: حكم ناب الفيل:
وقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال:
إلحاقه بالعظام، والحكم بطهارته، وهما على ما تقدم في أطراف القرون والأظلاف.
والقول الثالث: التفرقة بين أن يصلق فيكون طاهرا، أو لا يصلق فيكون نجسا.
الفرع الثاني:
حكم الريش:
وهو الطهارة في شبيه الشعر منه.
وأما ما فيه من شبيه العظم، فما حله الدم والرطوبة من ذلك، كالعظم، وما بعد فهو على القولين المتقدمين.
وأما الجلد فهو كاللحم أيضا، لكن أجازوا تذكية السباع لأخذ جلودها. قال الشيخ أبو الطاهر: وهذا على القول بأنها مكروهة اللحم.
قال: وأيضا فإن الدباغ يعمل في جلد الميتة فينقله عن النجاسة، فقد صار الجلد أخف من اللحم.
هذا حكم الأجزاء بعد الموت. فأما ما أبين منها في حال الحياة، فهو ميت إلا الشعور وما في معناها.
وأما الأجزاء المنفصلة عن باطن الحيوان، فهي قسمان:
الأول: كل مترشح ليس له مقر يستحيل فيه، كالدمع والعرق واللعاب وما في معنى ذلك، فهو طاهر من كل حيوان.
فرع:
ما ذكرناه من طهارة اللعاب يقتضي طهارة أسآر جميع الحيوان، وقد انفرد سؤر الكلب بحكم أثبته له الحديث الصحيح، وهو غسل الإناء من ولوغه سبعا.
والنظر في سبب هذا الغسل وحكمه وما يتعلق به سوى ذلك ينحصر في ثمانية أحكام:
الأول: سببه هل هو الاستقذار والنهي عن مخالطته، أو التعبد؟ وظاهر إطلاق عبد الملك وسحنون يقتضي أنه النجاسة.
وإذا فرعنا على أن الغسل لغير النجاسة، فهل هو على الندب أو الوجوب؟ وهو الحكم الثاني، وفيه روايتان.
وكذلك في إلحاق الخنزير به، وهو الحكم الثالث، ويتخرجان على تحقيق العلة.
ويتخرج عليه أيضا، الخلاف في اختصاص ذلك بالمنهي عن اتخاذه، أو تعميمه في جنس الكلاب، وهو الرابع.
الخامس: أنه في الماء خاصة، في رواية ابن القاسم. وروى ابن وهب أن إناء الطعام بمنزلته في ذلك.
السادس: إراقة الماء والطعام، وفيه ثلاثة أقوال: إراقتهما، وترك الإراقة فيهما، وتخصيصها بالماء دون الطعام.
الحكم السابع: وفي غسل الإناء بالماء الذي ولغ فيه. وقد قال القزويني من علمائنا: لا أعلم لأصحابنا فيه نصا.
وحكى الشيخ أبو الطاهر عن بعض أشياخه: أنه ذكر أن المذهب على قولين في ذلك، وهما خارجان على تحقيق العلة أيضا.
الحكم الثامن: أنه يغسل لجماعة الكلاب سبعا، وللكلب الواحد إذا تكرر الفعل منه سبعا. وقيل: يغسل سبعا سبعا.
وسبب الخلاف: هل الألف واللام للجنس أو إشارة إلى الكلب الواحد، ويعتضد المشهور بأن الأسباب إذا تساوت موجباتها اكتفى فيها حبكم أحدها.
فرع مرتب:
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن علي المازري: وحيث قلنا يغسل الإناء، فإنما ذلك عند إرادة الاستعمال، هذا مذهب الجمهور. قال: وذهب بعض المتأخرين إلى غسله وإن لم يرد استعماله.
القسم الثاني: من الأجزاء المنفصلة عن باطن الحيوان ما له مقر يستحيل فيه، وهو نوعان:
الأول: ما يستحيل إلى فساد، فأصله على النجاسة إلا المسك وفارته، وذلك: كالدم، والمسفوح منه متفق على نجاسته، وغير المسفوح غير نجس، وفيه خلاف شاذ، تبعا للخلاف في جواز أكله، ودم الحوت كغيره من الدماء.
وقال الشيخ أبو الحسن: هو طاهر.
وقال القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي: لمالك فيه وفي دم الذباب والقراد قولان. قال: والصحيح أنه طاهر، لأنه لو كان دم السمك نجسا لشرعت ذكاته.
وفي معنى الدم المسفوح القيح والصديد وما في معناهما. وكالبول والعذرة وهما نجسان من بين آدم. وقيل بتخصيص من لم يأكل الطعام من الآدميين بطهارة بوله. وقيل: ذلك في الذكر دون الأنثى. وطاهران من كل حيوان مباح الأكل، نجسان من كل محرم الأكل، مكروهان من المكروه أكله، وقيل: بل نجسان منه أيضا. وكالمذي وهو نجس بإجماع، وفي معناه الودي.
والمذهب أن المني نجس وأصله دم، وهو يمر في ممر البول، فاختلف في سبب التنجيس، هل هو رده إلى أصله، أو مروره في مجرى البول؟ وعلى تحقيقه يخرج حكم طهارة مني ما بوله طاهر من الحيوان.
النوع الثاني: ما يستحيل إلى صلاح، وذلك كالألبان والبيض.
فأما الألبان فإنها تتنوع إلى لبن الآدميات، وما يؤكل لحمه من الحيوانات، ولا خلاف في طهارته، وإلى لبن الخنزيرة، ولا خلاف في نجاسته، وإلى لبن سائر الحيوانات وفيه ثلاثة أقوال:
الأول: الطهارة قياسا على لبن بنات آدم.
الثاني: أنها تابعة للحومها، لأنها فضلاتها.
الثالث: أنها مكروهة من المحرم الأكل.
وأما البيض، فقال الشيخ أبو الطاهر: هو في معنى الألبان، ولا تفصيل عندنا فيه لأنه من الطير وهو مباح، قال: ولا نريد بذلك ما يحكى من بيض الحشرات، لأنه من الخبائث. قال: ويأتي بيان حكمها على أصل المذهب في كتاب الذبائح.
فروع:
الأول: استعمال الحيوان النجاسة، هل ينجس ما يكون منه؟ كعرق السكران والنصراني ولبن الجلالة ولبن المرأة إذا شربت الخمر، وبيض ما يأكل النجاسة أو يشربها.
حكى الشيخ أبو الطاهر عن المذهب في ذلك قولين، قال: وهما جاريان في كل نجاسة تغيرت أعراضها، كرماد الميتة، وما تحجر في أواني الخمر، وما في معنى ذلك.
وجعل مثار الخلاف النظر إلى الأصل وهو نجس، أو إلى الانتقال وقد تغيرت الأعراض.
وقال أبو محمد عبد الحق: الصواب طهارة جميع الأعراق، إذ ليس العرق نفس ما يؤكل ويشرب من النجاسة، قال: وعلى هذا حذاق أهل المذهب. واختار طهارتها أيضا الإمام أبو عبد الله.
الفرع الثاني:
ما عادته استعمال النجاسة في الغالب ولا يمكن الانفكاك عنه غالبا كالهر للحاجة إليه، وتلحق به الفأرة في تعذر الاحتراز منها، فلا أثر لشربه إلا أن تعلم نجاسة فمه عند الشرب، فيكون حكمه حكم ما حلته نجاسة.
الفرع الثالث:
ما يمكن الاحتراز منه، كالطير التي تأكل النتن، فإن قطع بنجاسة أفواهها أو طهارتها، عمل عليه، وإن لم يقطع بإحداهما، ففي الحكم لها بالأصل أو بالغالب ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث فيحكم بالأصل في الطعام لحرمته، وبالغالب في الماء ليسارته.
الفرع الرابع:
من غالب حاله استعمال النجاسة، كأهل الذمة وشاربي الخمر، فسؤره ملحق بسؤر ما عادته استعمالها.
وحكم ما لبس هؤلاء من الثياب أن لا يصلي فيها حتى تغسل، لان الغالب نجاستها.
فإما ثياب غيرهم، فإن كانوا غير مصلين، فحكمها حكم ثيابهم، إلا فيما كان على الرأس. وإن كانوا يصلون، صلى بثيابهم وإن لم تغسل، إلا ما كان يشد في الوسط، فإنه يغسل على الإطلاق، لقلة من يعرف الاستبراء من غير العلماء، وفي معناه، ما يحاذي الفرج من غير حائل.

.الفصل الثاني: في إزالة النجاسة:

.والنظر في حكمها ومقصودها وكيفيتها:

.النظر الأول: في حكمها:

وقد اختلف المتأخرون من العراقيين وأهل المغرب في تقرير المذهب، فالقاضيان أبو الحسن علي بن عمر بن القصار، وأبو محمد عبد الوهاب في تلقينه، يريان أن المذهب كله على وجوب الإزالة، وإنما الخلاف في إعادة من صلى بنجاسة خلاف في كون إزالتها شرطا في صحة الصلاة أم لا؟ وغير هذين والقاضي أبو محمد أيضا في شرح الرسالة، يقولون: المذهب كله على أن الإزالة سنة، وإنما الخلاف في الإعادة خلاف في إعادة تارك السنن متعمدا.
وأبو الحسن اللخمي وغيره من متأخري المغاربة، يرون أن المذهب على ثلاثة أقوال:
وجوب الإزالة مطلقا، وهو مقتضى رواية ابن وهب، إذ فيها الإعادة، وإن خرج الوقت، عمدا، صلى بها، أو نسيانا.
ونفي الوجوب مطلقا، نو هو مقتضى قول أشهب، لأنه استحب الإعادة في الوقت، عمدا، صلى بها، أو نسيانا.
والوجوب مع الذكر والقدرة دون النسيان والعجز، وهو مقتضى الكتاب؛ لأنه أوجب الإعادة على غير المعذور وإن خرج الوقت، وأمر بها المعذور في الوقت خاصة.
وقال الإمام أبو عبد الله: اضطرب الحذاق من أهل المذهب في العابة عن ذلك، فالجاري على ألسنتهم في المذاكرات والإطلاقات أن المذهب على قولين:
أحدهما: أن غسل النجاسة فرض.
والآخر: أنه سنة، إطلاقا لهذا القول من غير تقييد، ثم قال ومن أشياخي من يعبر عن هذا، فيقول، المذهب على ثلاثة أقوال: وأشار إلى ما تقدم عن أبي الحسن اللخمي.

.النظر الثاني: في مقصودها:

وهو إذهاب العين والأثر، لكن خفف الشرع عن المكلف فعفا عنهما في بعض أقسامها، وعن بعض العين في قسم آخر، وعن الأثر دون العين في ثالث، فلا جرم انقسمت النجاسة في حكم الإزالة أربعة أقسام:

.القسم الأول: يعفى عن قليله وكثيره:

ولا تجب إزالته إلا أن يتفاحش جدا، فيؤمر بها، وهذا القسم هو كل نجاسة لا يمكن الاحتراز عنها، أو يمكن بمشقة كبرى، كالجرح يمصل، والدمل يسيل، والمرأة ترضع، والأحداث تستنكح، والغازي يفتقر إلى إمساك فرسه، وخص مالك هذا ببلد الحرب، وترجح في بلد الإسلام.

.القسم الثاني: يعفى عن اليسير منه:

إذا رآه في الصلاة، ويؤمر بغسله قبل الدخول فيها.
وقيل: لا يؤمر بذلك، وهو الدم، وهل يلحق به، في العفو قليل القيح وقليل الصديد؟ أو يلحقان بقليل البول؟ في ذلك قولان.
فرعان:
الأول: أن الدماء كلها في ذلك سواء، ودم الحيضة ودم الميتة كغيرهما على المشهور.
وقال ابن وهب وابن الماجشون: أن يسير دم الحيض وكثيره سواء، ورواه ابن وهب وابن أشرس.
وقال ابن وهب أيضا: لا يعفى عن قليل دم الميتة، كدم الحيض.
الفرع الثاني:
حيث قلنا بالعفو عن اليسير، فما حده؟
قال أبو بكر بن سابق: لا خلاف عندنا أن ما فوق الدرهم كثير، وأن ما دون الدرهم قليل. وحكى في قدر الدرهم روايتين لعلي بن زياد، وابن حبيب، بالقلة والكثرة.
وحكى الشيخ أبو الطاهر أن اليسير هو مقدار الخنصر، وأن الخلاف فيما بين الدرهم إلى الخنصر.

.القسم الثالث: يعفي عن أثره دون عينه:

وهو الإحداث على المخرجين، والدم على السيف الصقيل، وفي معنى ذلك الخف يمشي به على أبوال الدواب وأرواثها، وفيه قول: أنه يغسل، كما لو مشى به على الدم والعذرة.
فروع أربعة:
الأول: لو مشى ماسح خفه على نجاسة ولا ماء معه، فليخلعه ويتيمم، لان التيمم بدل عن الوضوء، والنجاسة لا بدل لها.
الثاني: إلحاق النعل بالخف، فقال مالك: يدلكه ويصلي به.
وقال ابن حبيب: لا يجزئه ذلك لخفة النزع.
وقال القاضي أبو بكر: والأول أصح.
الثالث: الرجل يمشى بها على النجاسة، هل يجب غسلها لخفته أو تلحق بالنعل لتكرر ذلك؟ وفيه قولان أيضا.
وقال القاضي أبو بكر: إن كان عن عذر فهو كالخف.
الرابع: إن المرأة لما كانت مأمورة بإطالة الذيل للستر كعادة العرب، جعل الشارع ما بعده مطهرا له كما جاء في الحديث. ولا خلاف في ذلك عندنا إذا كان جافا، ومعناه أنه بنشره لجفافه، فإن كان رطبا فلا بد من غسله كسائر النجاسات، وفيل: بل يطهره ما بعده لعموم الحديث.
وألحق الأصحاب بذلك من مشى برجل مبلولة على نجاسة، ثم على موضع جاف.
وأما طين المطر فمعفو عنه، قال الشيخ أبو محمد: ما لم تكن النجاسة غالبا أو عينها قائمة. قال الشيخ أبو الطاهر: قال المتأخرون: ولو كانت كذلك وغلبت وافتقر إلى المشي، لم يجب غسله، قياسا على الأم ترضع.

.القسم الرابع: ما عدا ما ذكرناه:

وهذا القسم يزال كثيره وقليله، وعينه وأثره.

.النظر الثالث: في كيفية إزالتها:

ولا يكفي مرور الماء على المحل، بل لا بد من إزالتها عنه بإذهاب العين والأثر.
ويتم الغرض من الإحاطة بالمقصود برسم فروع.
الأول: لو بقي الطعم بعد زال الجرم في رأي العين، فالمحل نجس؛ لان بقاءه دليل على بقائه. وكذلك لو بقي اللون أو الريح، وقلعه متيسر بالماء، فإن تعسر قلعه عفي عنه، وكان المحل طاهرا.
الفرع الثاني:
إذا انفصلت الغسالة عن المحل متغيرة، فهي نجسة وهو نجس، وإن انفصلت غير متغيرة فهما طاهران.
الثالث: أنه لا يشترط الاستقصاء في إزالة الغسالة عن محل النجاسة بعد انفصال الماء غير متغير بل يطهر وإن لم يعصر الثوب، ولا استقصي في إزالة الرطوبة عن الإناء، لأن المنفصل من الماء عن المحل جزء من المتصل، والمنفصل طاهر، فالمتصل مثله، فيستوي انفصال الكل والبعض.
الرابع: إن إزالة جرم النجاسة عن المحل بغير الماء لا يطهره، بل يبقي حكم النجاسة.
الخامس: إذا تدمى فمه فمجه بريقه حتى ذهب، ففي افتقاره إلى غسله أو طهارته بريقه، قولان لعلمائنا، حكاهما القاضي أبو بكر، ثم قال: والصحيح طهارته بالماء، وإن كان كثيرا، وإن كان يسيرا عفي عنه، ولا يطهر الريق بحال.
السادس: قال القاضي أبو بكر: إذا مسح الجسم الصقيل من النجاسة كالصارم والمدية ونحوه، فإن مسحه يجزي عن غسله لأنه يفسده، وقيل: لأنه لا يبقى من النجاسة فيه شيء.
فأما لو مسح موضع النجاسة من البدن أو الثوب مسحا بالغا فلم يبق منها شيء، يعني في رأي العين، فقال القاضي أبو بكر: اختلف المتأخرون فيه، هل يلزم غسله أم لا؟ ثم قال: والصحيح وجوب الغسل لأنه لا بد من بقاء جزء منها ملتصق بالمحل وإن خفي.
واعلم أن مفهوم هذا التعليل يشير إلى أنه لو تحقق زوال جميع أجزائها لطهر المحل، وإن لم يستعمل فيه الماء. وهذا إنما يستمر مع البناء على تعليل المسألة السالفة بالعلة الثانية، فإما على العلة الأولى، والمشهور الاعتماد عليها، فلا يطهر المحل بحال.
وأما لو مسح موضع المحاجم ولم يغسله، فيعيد إن صلى ما دام في الوقت.
وقال ابن حبيب: لا إعادة عليه. قال القاضي أبو بكر: والصحيح أنه لا إعادة عليه، لأن ما بقي في محل المحجمة دم يسير في حد المعفو عنه، قال: والفرق بين هذا وبين ما تقدم، أن هذا الدم الباقي من نفس المحل دعت الحاجة إليه، والأول طرأ عليه من غير حاجة، فتضادا فافترقا.
فرع:
هذا حكم تحقق النجاسة وتحقق إصابتها للثوب أو للجسد، ويختص بمحل الإصابة إن تميز له، فإن لم يميزه كان الحكم عاما في جميع الثوب والجسد، كما لو أصابت جميعه.
فإن تحققها وشك في إصابتها للثوب فتطهيره النضح. وإن تحقق الإصابة وشك في النجاسة، فقولان. وإن شك فيهما فلا نضح.
ثم حيث قلنا: ينضح، ففي افتقاره إلى نية قولان للمتأخرين، مأخذهما النظر إلى كونه تعبدا، إذ هو تكثير للنجاسة لا إزالة لها، أو النظر إلى كونه تطهيرا عنها.
وحكم الجسد في النضح حكم الثوب في ظاهر المذهب.
وقال بعض المتأخرين: يغسل، بخلاف الثوب، واستقرأه من المدونة.
فرع مرتب:
لو صلى من أمرناه بالنضح دون أن ينضح، فقال ابن القاسم وسحنون وعيسى بن دينار: يعيد الصلاة لأنه تارك فرض الطهارة، فلزمه إعادة الصلاة كالغسل.
وقال أشهب وابن نافع وابن الماجشون: لا إعادة عليه، وعلله القاضي أبو محمد بأن النضح مستحب.
وقال القاضي أبو بكر: وهذا ساقط بل النضح واجب، وإنما فيه نكتة بديعة، وذلك أن الغسل شرع لإزالة النجاسة لأجل الصلاة مع ضرب من التعبد، والنضح تعبد محض لا إزالة فيه، فتركه ترك فرض لا يؤثر في الصلاة.
وقال ابن حبيب: يعيد أبدا في العمد والجهل، إلا إنه لم ير ذلك فيمن احتلم في ثوبه فلم ينضح ما لم يره، لخفه النضح عنده في ذلك. قال بعض المتأخرين: ولم يقل أحد من الأصحاب بالإعادة مع النسيان.

.الفصل الثالث: في حكم النجاسة تطرأ على الماء كيف تزال:

أما إن غيرته، فيزال جميعه. فإن أقام حتى زال تغيره، فقولان:
أحدهما: أنه كالبول مثلا، فلا ينتقل حكمه.
الثاني: أنه يرجع إلى أصله. قال الشيخ أبو الطاهر: وهما على الخلاف في النجاسة إذا تغيرت أعراضها، كدماء الميتة وعرق السكران، وشبه ذلك.
ثم إذا أزيل جميعه كما قلنا، فإن كان له مادة كالآبار، فالاعتبار بأن يخلفه غير متغير، وإن لم تكن له مادة أزيل الجميع ما دام متغيرا، فإن أزيل بعضه فزال التغيير بإزالته ففي طهارته قولان، وهما على ما تقدم، إذا تغير ثم عاد إلى الأصل. وأما إن لم يتغير الماء، فيجري على الخلاف المتقدم، إلا أنه يؤمر بأن ينزح من البئر التي تموت فيها الدابة، وإن لم يتغير بحسب كبر الدابة وصغرها، وكثرة الماء وقلته. قال المتأخرون: وذلك توق واستحباب.
وأما ما تغير من الآبار، فلا بد من نزحه إجماعا، حتى يزول التغير.
وقال الشيخ أبو بكر محمد بن صالح الأبهري: أصحاب مالك يفرقون بين ما وقع في الماء فمات، وبين ما وقع ميتا.
قال: فما فاضت روحه في الماء يأمرون بنزحه لجواز أن ينفصل منه شيء، أو يخرج مع الروح شيء من ريقها.
وأما ما وقع فيه ميتا وأخرج من غير تغيير الماء، لم يضره. والواجب أن الماء طاهر حتى يتغير من النجاسة.
قال أبو بكر بن سابق: والذي قاله الأبهري صحيح.

.الباب الثالث: في الاجتهاد بين الطاهر والنجس:

ومهما اشتبه إناء نجس بإناء طاهر، قال العلماء: ويتصور ذلك على القول بأن ما لم يتغير لا ينجس، بأن يتغير الماء بالقرار ثم تطرأ عليه نجاسة كثيرة مما تغيره ولا يظهر التغير، أو تكون الأواني متغيرة تغيرا واحدا بعضها بشيء طاهر، لم يسلبه التطهير وبعضها بشيء نجس.
وإذا تقول ذلك، فقال سحنون: يتيمم ويتركها، وقال ابن الماجشون وسحنون في قول له آخر: يتوضأ بأحدها ويصلي، ثم يتوضأ بالآخر ويصلي، حتى يفرغ جميعها، وبه قال محمد بن مسلمة، وزاد: ويغسل أعضاءه من الإناء الآخر قبل أن يتوضأ به. قال الأصحاب: وهو الأشبه بقول مالك، واختاره القاضي أبو محمد، وقال به القاضي أبو الحسن إذا قلت الأواني: وقال محمد بن المواز ومحمد بن سحنون: يتحرى أحدهما فيتوضأ به ويصلي، ويجزيه كما يتحرى بالقبلة.
وقال به القاضي أبو الحسن إذا كثرت الأواني، قالا: ولا يجوز له أخذ أحد الأواني إلا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب على الظن الطهارة، ثم من شرط الاجتهاد أن يعجز عن الوصول إلى اليقين، فإن كان معه ماء يتقين طهارته أو كان على شط نهر امتنع الاجتهاد.
فروع:
الأول: لو صلى بماء غلب على ظنه أنه طاهر، ثم تغير اجتهاده واختلف اعتقاده، فإن كان على اليقين بخطئه في اجتهاده الأول، غسل ما أصابه منه وأعاد الصلاة. وإن تغير إلى الظن بذلك، فيتخرج على القولين في نقض الظن بالظن، كالمصلي إلى القبلة باجتهاده، ثم غلب على ظنه أنه أخطأ.
الفرع الثاني:
وهو مرتب على قول محمد بن مسلمة:
لو كان معه إناءان فتوضأ بهما وصلى على ما تقدم، ثم حضرت صلاة ثانية، فإن كانت طهارته باقية وهو يعلم الإناء الذي توضأ به ثانيا، صلى بالطهارة التي هو عليها، ثم غسل أعضاءه من الإناء الذي توضأ به أولا، ثم توضأ به وصلى. وإن لم يكن على طهارة، أو كان عليها ولم يعلم الإناء الذي توضأ به آخرا، توضأ بالإناءين كما فعل أولا.
الفرع الثالث:
إذا اشتبهت الأواني على رجلين، فتحرى كل واحد منهما غير ما تحراه غيره، فقال الإمام أبو عبد الله: لا يصلي أحدهما مؤتما بصاحبه في الصلاة التي تطهر لها بالماء الذي خالفه فيه، لاعتقاده أنه مخطئ.
قال: وكذلك لو كثرت الأواني وكثر المجتهدون واختلفوا، فكل من ائتم منهم بمن يعتقد أنه تطهر بالماء النجس، فلا تصح صلاته لما قدمناه.
الفرع الرابع:
حيث قلنا بالاجتهاد بين المائين، فهل يجتهد بين الماء والبول؟ قال الأستاذ أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي: يجوز التحري بينهما، قال: هكذا خرجه القاضي أبو محمد على قول ابن المواز.
وقال القاضي أبو بكر أيضا: وهو الذي تقتضيه أصولنا، ثم قال: وبه أقول.

.الباب الرابع: في الأواني:

وفيه ثلاثة فصول:

.الفصل الأول: في المتخذ من الجلود:

واستعماله جائز، بشرط أن يكون الجلد طاهرا، وطهارته بالذكاة فيما يؤكل لحمه، وفي تطهيرها لجلد ما لا يؤكل لحمه خلاف. وبالدباغ في الجميع، إلا جلد الخنزير.
وكيفية الدباغ نزع الفضلات بالأشياء المعتادة في ذلك. قال ابن نافع: ولا يكفي التشميس.
ثم الجلد طاهر ظاهره وباطنه، وجائز بيعه على إحدى الروايتين، وبها قال ابن وهب.
والأخرى وهي المشهورة من المذهب، أنه طاهر طهارة مخصوصة يجوز بها استعماله في اليابسات، وفي الماء وحده من بين سائر المائعات، ولا يجوز بيعه ولا الصلاة فيه ولا عليه.

.الفصل الثاني: في المتخذ من العظام:

ويشترط أن يكون العظم طاهرا أيضا، وقد تقدم حكمه في الطهارة والنجاسة.

.الفصل الثالث: في أواني الذهب والفضة:

وهي محرمة الاستعمال على الرجال والنساء؛ للحديث الصحيح. قال القاضي أبو الوليد: ووجه تحريمه ما فيه من السرف والتشبه بالأعاجم.
وأما اتخاذها من غير استعمال، فقال الشيخ أبو القاسم بن الجلاب: اقتناؤها محرم.
وقال القاضي أبو محمد: لا يجوز اتخاذها.
وقال القاضي أبو الوليد: لو لم يجز اتخاذها لوجب فسخ بيعها، وقد أجازه في غير مسألة من المدونة، قال أبو بكر بن سابق: هذا غير صحيح، لأن ملكها يجوز إجماعا، بخلاف اتخاذها، قال: وإنما نتصور فائدة الخلاف بأنا لا نجيز الاستئجار على عملها، ولا نوجب الضمان على من أفسدها إذا لم يتلف من عينها شيئا، والمخالف يجيز الاستئجار ويوجب الضمان.
ثم اختلف المتِأخرون في إلحاق غير الذهب والفضة من الجواهر النفيسة بهما، فقال القاضي أبو الوليد: لا يتعدى التحريم إلى الياقوت والفيروز وشبه ذلك بمجرد نفاستها، يريد لأن أحد وصفي العلة لا يستقل بإفادة حكمها على ما تقدم.
وقال القاضي أبو بكر: ما يصنع من الياقوت واللؤلؤ والمرجان أولى بالتحريم في الاستعمال من أواني الذهب والورق، وقال ابن سابق: المتخذة من الياقوت والبلور. والحكم الظاهر أنها جائزة، وإنما تكره للسرف.
فرعان:
الأول: لو عمل الآنية من ذهب وغشاها برصاص أو غيره مما يجوز اتخاذ الآنية منه، أو اتخذها من ذلك وموهها بالذهب، فحكى ابن سابق في ذلك قولين، ونزلهما على الخلاف في تحقيق العلة، هل هي الزينة والفخر أو عين الذهب؟.
الفرع الثاني:
إذا... وصلت الآنية بذهب أو فضة في شعب أو تضبيب، فقال القاضي أبو بكر: لا يمنع ذلك من استعمالها، قال: لأنه تبع فلا يجري عليه حكم المقصود.
وقال القاضي أبو الوليد: واستعمال آنية فيها تضبيب بذهب أو فضة ممنوع.
وفي العتبية: قال مالك: لا يعجبني أن يشرب فيه إذا كانت فيه حلقة فضة أو تضبيب شعبه بها. وكذلك المرآة تكون فيها الحلقة من الفضة لا يعجبني أن ينظر فيها الوجه.
هذا تمام قسم المقدمات.
أما:

.قسم المقاصد:

ففيه سبعة أبواب:

.الباب الأول: في فروض الوضوء وسننه وفضائله:

أما:

.فروضه:

فهي ستة:

.(الفرض) الأول: النية.

وحقيقتها القصد إلى الفعل، والعزيمة عليه. والغرض بها تخصيصه ببعض أحكامه وأوصافه، وهي شرط في كل طهارة عن حدث، ولا تجب في إزالة النجاسة.
ولا يصح وضوء الكافر ولا غسله إذا لم يكن اعتقد الإسلام بقلبه قبل الغسل؛ إذ لا عبرة بنيته، وتستثنى من ذلك الذمية تحت المسلم، فإنها تجبر على الغسل عن الحيض لحق الزوج، وعلى النص.
وقال محمد بن عبد الحكم: لا تجبر، لأنه لا نية هلا، ورواه أشهب.
فرع:
لو رفض النية بعد كمال الطهارة، ففي نقضها بذلك روايتان، منشؤهما أنها كجزء من أجزاء الوضوء فيجب استصحابها، أو المقصود بها تصحيح الفعل وقد حصل.
ثم وقت النية، هل هو أول واجبات الوضوء لتقارن ما تجب له، أو أول أفعاله؛ إذ يؤمر بالقصد إلى السنة أيضا؟ في ذلك قولان. ثم لا يضر اختلاس النية بعد الإتيان بها في محلها.
وكيفيتها: أن ينوي بها رفع الحدث أو استباحة الصلاة، أو ما لا يستباح إلا بالطهارة أو أداء فرض الوضوء.
فإن نوى رفع بعض الحدث ناسيا لغيره أجزأه، إلا في الحائض الجنب تقتصر على نية الجنابة، فإن فيها قولين، لاختلاف الممنوعات. فإن نوت الحيض خاصة، فالمنصوص الإجزاء، لأن ممنوعاته أعم. وخرج القاضي أبو الوليد نفي الإجراء على القول بأن الجنابة تمنع القراءة ظاهرا دون الحيض.
فأما لو نوى رفع بعض الحدث دون بعض حتى يكون ناويا عدم حصول الباقي، لفسدت نيته.
فإن قصد استباحة صلاة بعينها خاصة دون غيرها، كما في الحدث، فقيل: يستبيح به ما نواه وما لم ينوه، وقيل: يستبيح ما نواه خاصة نو هما على الخلاف في إبطال الرفض وتصحيحه، وقيل: تفسد نيته للتضاد.
ورأى الشيخ أبو الطاهر تنزيل القولين الأولين على تقدم الاستباحة، وتنزيل الثالث على المقارنة.
ولو نوى ما يستحب له الوضوء، كقراءة القرآن للمحدث من غير مس مصحف، فقولان، المشهور أن حدثه لا يرتفع.
ولو شك في الحدث، وقلنا: لا يجب عليه استئناف الوضوء بالشك على إحدى الروايتين.
أو كان شكه غير مقتض للوضوء كالتردد من غير استناد إلى سبب مع تقدم يقين الطهارة، فتوضأ احتياطا، ثم تبين له يقين الحدث، ففي وجوب الإعادة قولان للتردد في النية. وكذلك لو توضأ مجددا ثم تبين له الحدث. فقال أشهب: يجزئه، وفي كتاب ابن سحنون لا يجزئه.
ولو نوى بوضوئه رفع الحدث والتبرد لم يضره. ولو نوى غسل الجنابة وغسل الجمعة معا، فالإجزاء في الكتاب.
وقال الشيخ أبو القاسم: بنفي الإجزاء فيهما لاختلاف السببين وتنافي القصدين.
ورأى في الكتاب أن الاستحباب زائد على الوجوب فلا تنافي بينهما، ولا بين رفع الحدث وتطييب الرائحة.
ولو اغتسل للجنابة ناسيا للجمعة، فروى عيسى عن ابن القاسم: أنه لبا يجزئه عن غسل الجمعة. قال القاضي أبو محمد: وزعم ابن حبيب أن ذلك إجماع من مالك وأصحابه، ثم قال: وقال ابن القاسم في العتبية: إن غسل الجنابة ينوب عن غسل الجمعة إذا كان عند الرواح، ثم قال: ولا يجوز أن يحمل على ما إذا نوى به الجمعة؛ لأنه إذا نواه لم يكن الغسل مضافا إلى الجنابة وحدها.
ولو اغتسل للجمعة ناسيا للجنابة، فروى ابن القاسم أنه لا يجزئه أيضا، وبه قال ابن عبد الحكم وأصبغ. وروى مطرف وابن الماجشون وابن كنانة وابن نافع وابن وهب وأشهب: أنه يجزئه، وأفتوا به.
ولو أغفل المتوضئ لمعة من الكرة الأولى، فانغسلت في الكرة الثانية على قصد الفضيلة، ففي ارتفاع الحدث بذلك قولان.
ولو فرق النية على أعضاء الوضوء، ففي الإجزاء قولان بناهما الشيخ أبو الطاهر على الخلاف في أن الحدث هل يرتفع عن كل عضو بالفراغ من تطهيره أو بإكمال طهارة جميع الأعضاء؟ قال: وعلى هذا الأصل ينبني أيضا خلاف الشيخين أبي محمد وأبي الحسن فيمن أحدث حدثا أصغر في أضعاف طهارته الكبرى، ثم أمر يديه على أعضاء الوضوء، هل يفتقر في إمرارهما إلى تجديد نية أم لا؟، قال: وينبني عليه أيضا الخلاف فيمن غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف، هل يمسح عليهما أم لا؟ وسيرد كلام القاضي أبي بكر في هذه المسألة، وإنكاره لهذا الأصل، وتخريج الخلاف فيها على غيره إن شاء الله.

.الفرض الثاني: استيعاب غسل جميع الوجه:

وحقيقة الغسل: نقل الماء إلى العضو مع الدلك، وحد الوجه طولا من منابت الشعر المعتاد إلى منتهى الذقن، وعرضا من الأذن إلى الأذن، وقيل: من العذار إلى العذار، وقيل: إن كان نقي الخد فكالأول، كان اكتسى الشعر فكالثاني.
ومنشأ الخلاف التنازع في المواجهة هل تتناول ما اختلف فيه أم لا؟ وانفرد القاضي أبو محمد بقول رابع، فجعل غسل ما بين الأذن والعذار سنة.
ولا تدخل النزعتان، ولا موضع الصلع في التحديد.
وموضع الغمم من الوجه يجب عليه غسله.
ويجب إيصال الماء إلى منابت الشعور الخفيفة التي تطهر البشرة منها بالتخليل، كالحاجبين والأهداب والشارب والعذارين وغيرهما، ولا يجب ذلك فيما إذا كانت كثيفة، وقيل: يجب.
وظاهر المذهب: وجوب غسل ما طال من اللحية، وقيل: إنه غير واجب، وسبب الخلاف تشبيه بمباديه أو بما يحاذيه، وهو سبب الخلاف أيضا في مسح ما طال من شعر الرأس.

.الفرض الثالث: غسل اليدين مع المرفقين:

وقيل: إليهما دونهما، فلو قطع من الساعد غسل الباقي، ولو قطع من المرفق لم يجب عليه شيء، لأن القطع أتى على جميع الذراع، والمرافق في الذراع، إلا أن يكون بقي شيء من المرفق في العضد، يعرف ذلك الناس وتعرفه العرب، فيغسل وفي تخليل أصابع اليدين قولان بالوجوب والندب.
وفي وجوب إجالة الخاتم ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث فيوجبها في الضيق دون الواسع.

.الفرض الرابع: استيعاب مسح جميع الرأس:

من مبدأ منقطع الوجه على ما قلاه في المعتاد، وفي منتهاه خلاف. وقيل: إلى ما تحوزه الجمجمة، وقيل: إلى آخر منبت الشعر من القفا، فلو اقتصر بالمسح على بعضه لم يجزه، على النص.
واختلفت مذاهب الأصحاب في الإجزاء، فذهب محمد بن مسلمة إلى إجزاء الثلثين. وذهب القاضي أبو الفرج عمر بن محمد الليثي إلى إجزاء الثلث. وروي عن أشهب روايتان: إحداهما إجزاء الناصية.
والثانية مطلقة، قال: فإن لم يعم رأسه أجزأه ولم يقدر ما لا يضره تركه.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الأقاويل مذاهب لأصحابه لا أنها تخريج على مذهبه. قال: فأما مذهبه فهو الاستيعاب كما تقدم.
ولا يستحب فيه التكرار، ولا الغسل، ويجزئ عن المسح إن فعل، وحكى سابق الصحة عن الشيخ أبي إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان، ثم قال: وقال غيره لا يصح، وكرهه آخرون.

.الفرض الخامس: غسل الرجلين مع الكعبين:

وقيل: إليهما دونهما، وهما الناتئان في الساقين.
وذكر القاضي أبو محمد عن مالك من رواية ابن القاسم وغيره: أنهما اللذان عند معقد الشراك، ورأى الأول أصح في النظر.
وفي حكم تخليل أصابعهما ثلاثة أقوال: الوجوب، والندب، والإنكار.

.الفرض السادس: الموالاة:

وهي أن يفعل الوضوء كله في فور واحد من غير تفريق متفاحش، فإن فرقه تفريقا يسيرا غير متفاحش فلا يفسد الوضوء سهوا ولا عندا. حكى القاضي أبو محمد أن المذهب لا يختلف في ذلك.
وإن كان التفريق متفاحشا، قال ابن وهب: يفسده في العمد والسهو. وحكى عن محمد بن عبد الحكم أنه لا يفسده في الوجهين، وذهب إليه بعض البغداديين.
وفرق ابن القاسم فحكم بفساده في العمد دون النسيان، وروى عبد الملك بن الماجشون في الثمانية أن التفرقة في العمد والسهو سواء، في أنها تفسد الطهارة، إلا في الرأس وحده. وقيل: تفسد إذا كان الممسوح بدلا لا أصلا.
وقال القاضي أبو الحسن: ومن أصحاب مالك من قال إن الموالاة مستحبة.
وأما:

.سننه:

فست أيضا:

.(السنة) الأولى: أن يبدأ بغسل يديه قبل أن يدخلهما في إناء وضوئه:

وهل ذلك على وجه النظافة أو العبادة؟ فيه قولان، ينبني عليهما فرعان:
أحدهما: هل يغسلهما مجموعتين أو متفرقتين؟ فالنظافة تناسب الجمع، والتعبد يقتضي الافتراق، وقد جاء في لفظ الحديث. ما يقتضي الخلاف في ذلك، وهو قوله: غسل يديه مرتين. وروي في بعض طرقه: مرتين مرتين.
الفرع الثاني:
من شرع في طهارته بعد غسلهما ثم أحدث في أضعافها، فلا يعيد غسلهما في ظاهر رواية أشهب، ويعيده عند ابن القاسم.

.السنة الثانية: المضمضة:

وهي تطهير باطن الفم، وأما غسل ما يظهر من الشفتين فواجب، وصفتها أن يأخذ الماء بفيه فيخضخضه ثم يمجه.
قال أبو الحسن اللخمي: وإن أدخل أصبعه ودلك بها أسنانه فحسن.

.الثالثة: الاستنشاق:

وهو غسل باطن الأنف، وأما ما يبدو منه فهو من الوجه، وصفته أن يجتذب الماء بخياشيمه ويجعل إبهامه وسبابته على أنفه ثم ينثر النفس، ويبالغ في الاستنشاق ما لم يكن صائما.
فرعان:
الأول: في كيفيتهما: حكى ابن سابق في ذلك قولين:
أحدهما: يغرف غرفة واحدة لفيه وأنفه.
والثاني: يتمضمض ثلاثا من غرفة، ثم يستنشق ثلاثا من غرفة.
قال: وهذا اختيار مالك، والأول اختيار الشافعي، وكلاهما مروي في الحديث.
الفرع الثاني:
لو توضأ وترك المضمضة والاستنشاق حتى صلى، فإن كان ناسيا لم يعد الصلاة، وإن كان عامدا ففي استحباب الإعادة له في الوقت قولان، ولا شك أنه يؤمر بإعادة ما ترك.

.الرابعة: أن يمسح أذنيه بماء جديد لهما:

ظاهرهما وباطنهما، ويدخل إصبعية في صماخيه ويمسح ظاهر أذنيه بإبهاميه.
فرع:
قال أبو بكر بن سابق: اختلف المتأخرون في ظاهرهما على وجهين، فمنهم من قال: هو ما وقعت به المواجهة.
وقال آخرون: هو ما يلي الرأس، قال: وهو الأطهر.